الاثنين، 26 سبتمبر 2011

أوراق النعناع



كانت تلك هي المرة الأولى التي ألمحه فيها ، في الماضي كنت أكتفي بسماع صوته الذي كان نغمة أذني وجناح روحي .. ولطالما حدثتني نفسي بضرورة رؤيته ، ولكن هذه المرة تمنيت لو أنني لم أره ، ولم ينفطر قلبي لرؤية الحيرة والعتاب في عينيه ..
كان يقف بائسا وسط حطام الزجاج كأنه يناديني بصمت ويلومني بلطف ، كنت أرقب حركاته وسكناته من خلف ستار النافذة ، يعتصرني الألم وتتملكني الحيرة ، ولكنه سرعان ما أحس بوجودي فاختفى فجأة بحركة خاطفة وسط الضباب مثيرا تنهدات الأسى في أعماقي ..
لم أستنكر تصرفه، ولن أفعل ، فهو على حق ، فلم يعد له بي حاجة ، فعودته إلي حلم أضيق من أفكر فيه وأوسع من أن أشتهيه !
أزحت ستار النافذة ، وأزلت آثار الزجاج المحطم ، وعود النعناع الذي قد ذبلت أوراقه وشحب لونها كسماء ذلك اليوم الكئيب ..
أنا مثله حائرة تماما ! لم أعلم بوقوع الحادثة إلا عندما استيقظت هذا الصباح.. ولكنه لم يكن ذنبي أنا ! لم يعاتبني ؟ ولم يلومني ؟ لم أكن الفاعلة !
لم لا تكون تلك الرياح القوية التي مرت بالأمس هي الجانية ؟! أو ربما حجر طائش بين أصابع أحد الصغار الذين حملهم عبث الطفولة على أن يحرموني ممن بدل وحشة أيامي بالأنس وسكينة أوقاتي بالأنغام !
ليتني كنت مستيقظة حينها لأقف في وجه تلك الرياح لأذود عن الأوقات الجميلة التي قد منحتني إياها ، أو أن أتلقى أنا ضربة الحجر بدلا من ذاك الكوب الذي حوى آمالي وأحلامي ..
لقد كان صباحي بدونك باردا مقفرا خاليا من الحياة ،، أما بعد قدومك انبسطت ملامحه وتعطر فضاؤه بالعبير الذي يفيض من أجنحتك ، كانت نغمات تغريدك هي تراتيل الحب التي تجدد إيماني وإقبالي على الحياة ..
فياليت ذاك الكوب لم ينكسر ، وياليت عود النعناع لم يجف ، فكم كنت أستمتع بمشاهدة ما فعله منقارك الصغير بأوراق النعناع ليقضم منها دون أن يتلفها ؛ بل يجعلها تبدو أجمل من هيئتها وهي كاملة !
فأزيح الستار بعد أن تذهب ، لأشم عبيرها ثم أسقيها، وأمسح بأصابعي ذرات الغبار العالقة بها وكلي أمل ولهفة لتأتي في الغد ليتجدد اللقاء ..
مسكين أيها العصفور ! من أين ستأكل الآن ؟ هلى ستمضي يومك جائعا ؟؟ هلى ستغرد من جديد ؟؟
ماذا دهاني ؟ ماذا فعلت بي أيها العصفور ؟ إن الله الذي قد جعلني سببا في إطعامك قادر على أن يجعل غيري سببا كذلك ، ولكنني كم كنت أحب أن أظل أنا ذاك السبب .. وكم كنت أحب أنا يظل صدى صوتك مترددا على أعتاب شرفتي التي صار الصمت عندها يصم آذاني ويؤرق مضجعي أكثر من أي وقت مضى .. لقد تركت الوحدة لتدثرني بثوبها الرث من جديد ..
تعال أيها العصفور .. أرجوك ! لا تحرمني من استنشاق النسيم الذي يحمل جناحيك إلى شرفتي كل صباح ..
أعدك بأنني سأعوضك عن أوراق النعناع ، سأغير لك فطورك ،، سأشتري لك الحبوب ، وسأضع لك كسارة الخبز ، وبعض الماء ..
لا تقلق .. ستجدني دائما في انتظارك .. وقتما تحب .. ولكن لا تطل غيابك .. فأنت وحدك من أعطاني كما أعطيته .. وغنى لي كما غنيت له ..
فليحمك الله يا عصفور .. فليحمك الله ..

رحلتي إلى حديقة الحيوانات


أحببت أن أختم عطلة نصف العام هذ المرة بإدخال البسمة على وجوه أولاد خالي الصغار ، فقررت أن اصطحبهم مع ابنة خالي الكبرى في رحلة إلى حديقة الحيوانات بالجيزة ، بدت فكرة رائعة وتحمس لها الأطفال واستعدوا لها أيما استعداد !
جاء يوم الرحلة الموعودة ، وخرجنا من البيت مبكراً - عشان نلحق البلد وهي فاضية -
حاملين معنا ما لذ وطاب من السندويتشات والبسكويتات والعصائر وزجاجات الماء ،
ركبنا "الأتوبيس" - ولحسن حظنا - كانت هناك كراسي لم تشغل بعد، فتمكننا من
الجلوس طوال الرحلة التي أخذتنا في جولة في شوارع القاهرة مرورا بمعالمها المميزة. 

وأخيرا اقتربنا من الحديقة ، وتكفلت أنا بحمل ابن خالي الأصغر - اللي جابلي يخليلي - فلما هممت بالوقوف فرمل السائق فجأة وسقط ابن خالي من ذراعي وسقطت إلى جواره ، ووسط تحديق الراكبين ولوم "الكمسري" لي :انتي ما بتعرفيش تقعي ؟! .. هرعنا
للنزول من الأتوبيس وسط ضحكاتنا المكبوتة واستغرابنا من لطف "الكمسري" لنجد
أنفسنا أمام مدخل الحديقة ..
هذه المرة طلبت من ابن خالي -ابن الثالثة - أن يسير على قدميه تجنباً لأي حوادث مستقبلية، بدأنا بالتجوال في أرجاء الحديقة التي لم تكن قد ازدحمت بعد .. التقطنا العديد من الصور ومقاطع الفيديو "بموبايلي الجديد" مع الحيوانات التي بدت منهكة من "صيف فبرايرالذي فاجأنا هذا العام !
استمتع الأطفال بإطعام النسناس واللاما .. لعبوا الكرة و"القطة العميا" .. قضوا أوقاتاً
مسلية ، وبدا لي رائعاً مشاهدة زوار الحديقة الذين أمتعتني ملاحظتهم كثيرا ، فرواد حديقة الحيوانات يأتون من كافة أنحاء القاهرة من مختلف الطبقات والأعمار ..
رأيت الوالدان اللذان يحتفيان بابنهما الأول ويصورانه بجانب قفص كل حيوان ، رأيت الأم التي تجري مع صغارها وتبدو في براءة الأطفال .. رأيت الجدات اللاتي فضلن الجلوس على "النجيلة " ومراقبة ضحكات أحفادهن .. وكذلك الأب الذي رمق ابنه بنظرة حادة بعد إلحاحه عليه ليذهب إلى ملاهي الحديقة .. فضلا عن الأخ الذي ينادي أخيه البدين بجانب قفص الفيل : بص في حد أطخن منك أهو على وجه الأرض ؟! ، وبالطبع الأجانب الذين جاءوا ليستمتعوا معنا بـ "صيف فبراير" ..
بدا الأمر لي وكأنها مسرحية تضم كل الممثلين على مسرح الطفولة .. ذكرتني هذه الرحلة بذكريات رحلات الحضانة وفسح الأعياد .. إنها بالفعل أجمل رحلة ذهبتها إلى حديقة الحيوانات حتى الآن !
وبعد أن أنهكنا التعب وتورمت أقدامنا من طول المسير .. أقنعنا الأطفال بالعودة إلى البيت بعد طول جدال .. وعدنا جميعا تملؤنا السعادة والنشوة .. و صرنا على أهبة الاستعداد لاستقبال الفصل الدراسي الثاني ...

الأحد، 25 سبتمبر 2011

لحظات من وحي الذاكرة




الحياة ..
على الرغم مما قد تفيض به من مصاعب وآلام ..
إلا أنها قد تهديك في بعض الأحايين لحظاتٍ خاصة ..
لحظات فيها من الجمال ما يجعلها تشغل حيزاً مميزاً من ذاكرتك ..
قد تكون لحظة تتسامر فيها مع أفراد عائلتك أو صديقك المقرب ..
تضحك فيها ملء فيك !
لحظة تحقق فيها نجاحاً ..
أو ربما لحظة تجلس فيها على شاطئ البحر ترقب تناغم ألوان السماء ساعة الشروق ..
لحظة تبكي فيها بين يدي الله وتناجيه من أعماق روحك ..
لحظات .. تتلوها لحظات ..
تلك اللحظات - وإن قلت - إلا أنها تظل زاداً حياً في ذاكرتك ..
تنهل منه كلما اشتدت بك الخطوب ..
فتستدعيها في مخيلتك .. لترسم البسمة على وجهك ربما !
أو لتعطيك القوة على مواصلة المسير ..
أملاً في أن تتكرر تلك اللحظات ..
أو لتهيئ لك سبباً تحب حياتك من أجله !

الربان والسفينة




ربان السفينة هو الأولى بقيادتها !
فهو وحده من بيده أن يوجهها إلى وجهتها الصحيحة ..
أما أن يتركها لتتقاذفها الأمواج المتلاطمة .. والرياح العاتية ..
فإما أن تتمزق أشرعتها .. أو أن تصل إلى الوجهة الخاطئة !

فلسفة المرض


" المرض "
حالة جسمانية فريدة .. كلنا قد مر بها في مراحلَ عدة من حياته ..
المرض يظهرنا على حقيقتنا .. ينزع عنا رداء القوة والجبروت الذي نرتديه في حال الصحة ..
حين ننسى أننا مجرد كائنات عاجزة بحاجة دائمة للعون والمدد ممن هو أقوى وأقدر منها ..
المرض يسلب نضارة وجوهنا .. فتبدو في شحوب أوراق الخريف ..
يقتات على الحياة في أوصالنا .. ليتركنا وقد أصبحنا أجسادا هامدة لا تقوى على الحراك !
يصارعنا ونصارعه .. وأيا كان من المنتصر ! .. فحتما سيتحتم علينا تحمل عناء الصراع !
قد نهرع إلى الطبيب .. الذي يعطينا من العقاقير ما إن عالجت عضواً أسقمت أعضاء ..
وإن خففت ألماً سببت آلاماً ..
في هذه اللحظة !
تشعر بضعفك .. بعجزك .. وقد تفكر في التخلص من حياتك بأسرها .. فقط لتتخلص من ألمك !
ولكنها - إن علمت - فرصة ذهبية لتفهم حقيقتك .. سر وجودك ..
فرصة .. لتلجأ إلى خالقك .. إلى من يملك سرك .. يملك مفتاح الداء والدواء ..
فتبتهل إليه وتناجيه .. وأنت في غاية المذلة والحاجة والخضوع ..
في هذه اللحظة !
تتجلى العبودية الخالصة من أعماق ذاتك ..
قد تبذل الأسباب لتعافى .. بل لابد أن تبذلها ..
ولكنك في قرارة نفسك .. تؤمن بأن الله وحده هو القادر على أن يعافيك ويطهرك ..
وليس ذلك فحسب !
بل إن المرض فرصة حانية لتسكن بدفء من حولك ..
لتسعد باهتمامهم بك .. وانشغالهم بأمرك .. ودعواتهم من أجلك ..
حمدا لله على نعمة المرض الذي منّ علينا به ..
لترق قلوبنا .. وتصفو نفوسنا ..
ونتذكر دائما ..
عجزنا وقدرته !
وضعفنا وقوته !
***
- تجربتي مع المرض كانت في حد ذاتها مصدر إلهامي لأكتب هذه الكلمات ! -

نور الحـــــــب


من منا لم يسمع عن الحب ؟ وعن أشعته السحرية التي تغمر القلب والعقل والروح ،،، تلك العاطفة الأسطورية التي تفعل الأعاجيب التي لا يمكن وصفها بقلم أديب أو بريشة فنان ، يسعد النفوس ويشقيها ، يكوي قلوب العاشقين بناره التي يحسونها بردا وسلاما ، هو تلك الوجبة العلوية التي تلتهمها الأفئدة لتجوع الأجساد وتلتهب الأحشاء ، ترى المحبين وقد زهدوا في الطعام والشراب ، وعانوا مرارة السهاد والأرق ، إن غاب من يحبون أعياهم الشوق وأعمى بصائرهم عن رؤية نور النهار ، وصمت آذانهم عن سماع صخب الأيام ، فما أقسى ذلك الحب وما أعنفه ! 
أما بالنسبة لي فالحب له مفهوم آخر ! فحبي أنار لي الدروب وأسكنني الجنان .. حبي جلب لي السعادة وراحة البال .. أنام قريرة العين مذ عرفته .. من أحبه جعلني أقبل على الحياة ، ولا أخشى الموت ما دام في سبيله ، حبه جعلني أبصر ما لم أكن أبصر من قبل ، لقد أصبح لتغريد العصافير معنى في أذني، وللماء مذاقا عذبا في جوفي ،، أدركت الغاية في كل ما أعمل ، من أجله أحببت ما يحب ، وكرهت ما يكره ..
ومن عجب أني لم أر من أحب حتى الآن ! ولم تقر روحي برؤية وجهه .. ولكني أشعر كأنني أراه ،، كيف لا وهو معي منذ أحببته .. أانس به به في كل وقت وحين .. ألجأ إليه كلما اشتدت الخطوب ، كلما حدثته انشرح صدري وانبسطت ملامحي .. يفهمني أكثر مما أفهم نفسي .. ويستجيب لحاجاتي وإن لم أطلبها، فضله يغمرني وعطفه يحتويني ، كم أحب لقاءه ، وكم أسعد بقربه في جوف الليل عندما تعانق السكينة نفسي فتقشعر جوارحي ثم تلين وتخشع وتقر ،، وتمتزج خفقات القلب مع دموع المآقي فأتمنى لو ألا تنتهي تلك اللحظة النورانية لأظل سابحة في نور الحب .. كيف لا ؟! ومن أحبه ليس أحدا من البشر  .. إنه رب البشر !

الخميس، 22 سبتمبر 2011

مهرجان الروائح -في شوارع القاهرة-




من أكثر الأمور التي أحبها في بلدنا هذه أجواؤها المعبأة بشتى أنواع الروائح و العطور ، فتارة تشم رائحة الفُل وحمص الشام على "كورنيش النيل" ، وتارة تشم رائحة "الفول والطعمية" عند عربة "عم يوسف بتاع الفول" – والذي ستجده حتما في العديد من مناطق وحارات مصر على اختلاف زيه وشكل عربته التي قد تبدو أحيانا في صورة مطعم خمس نجوم ! - ، وقد يجود عليك الزمان باستنشاق عطر آسر يفوح من "واحد ابن ناس" يسير بجوار خطيبته عند تجولك في أحد "مولات" مدينة نصر ..
ولابد أنك قد استنشقت رائحة وقود السيارات التي لن تتأذى فقط بشم رائحته الكريهة وإنما سترى الرائحة بأم عينك ! .. نعم سترى الرائحة في صورة دخان أسود قد يترك أثرا على وجهك وملابسك إن اضطررت يوما إلى ركوب المواصلات أثناء ساعات الذروة التي قد تصل إلى 24 ساعة يوميا ! .. هل رأيت إثارة للحواس أقوى من هذه !؟ ، وخاصة لو حدثتك نفسك باللحاق بإحدى "الأتوبيسات" التي تختنق براكبيها لكي تصل لوجهتك باكرا .. فعندها ستضطر لشم كافة أنواع العطور الباريسية التي يستخدمها الركاب المتشبثين بباب "الأتوبيس" ! .. ولا تحاول أبدا تحت أي ظرف أن تمر من تحت أي "كوبري" حتى لا تلوث ذاكرتك الشمية بما لا يحمد عقباه !
فضلاً عن الروائح التي تفوح من محلات "العطارة" و"الرنجة والفسيخ" ومقاهي الحسين التي ستغرقك في رائحة المعسل ودخان السجائر وأحيانا البخور ! .
ولابد أن تكون مستعدا لرائحة "الغسيل المزهزه" الذي قد تتقاطر مياهه "النظيفة" على رأسك عند مرورك تحت "بلوكونة أم حسين" ! و قد يتصادف مرورك ذاك اليوم مع إعداد جارتها " الست عفاف" ملوخية بالأرانب والتي تضفي على الشارع عبير "طشة التوم" الساحر !
وبالطبع إذا دخلت "السوق" في إحدى المناطق الشعبية فحدث ولا حرج .. فقد يصاب أنفك بحساسية مفرطة من زخم الروائح التي قد تشمها في الدقيقة الواحدة ! ما بين رائحة "السمك الطازج" و"محلات الدجاج" التي قد تصيبك رائحتها بالغثيان .. والنعناع الأخضر ذو العبير الأخاذ .. وعطر "الشمام" عند "لمعي الفكهاني" ..
وللأسف قد تتأذى من رائحة الأحذية التي قد تتعثر بها عند دخولك أحد المساجد .. وحتما ستظل هذه الرائحة مرافقة لمستقبلات أنفك الحسية وأنت داخل المسجد بعد أن حملها المصلون معهم إلى الداخل بجواربهم .. إلا أنك عند خروجك قد تنسى هذه الرائحة تماما عندما يضع "الحاج محمد" على يديك بعضا من زيت المسك ليعطر يديك عند خروجك ويسألك أن تدعو له بالشفاء ..
أياً كانت هذه الروائح وأيا كانت مصادرها وخلفياتها .. إلا أنها ستربطك حتما بكل الأماكن التي تمر بها بفيض من المشاعر والروابط الذهنية التي تنعش الذاكرة ، وتؤجج في العقل والقلب والروح تعلقاً لا شعوريا بكل ما في هذا البلد .. بحلوه .. ومره ! !

ذات الأجنحة الملائكية


كتبت هذه الكلمات في وصف رفيقة دربي "إسراء" 


عجيبة هي ! يأسرك طيفها بمجرد أن تلمحها ، وتسحرك روحها حتى من قبل أن تعرفها ، إن شئت فقل هي فراشة ترفرف بأجنحتها الملائكية لتشع النور في قلب من يراها ، أو قل هي طفلة تداعب نسائم الوجود بشغبها لتحيل دون سكونها ، أو قل هي غصن غض في حقل الحياة يحاول جاهدا أن ينمو بين الفروع اليابسة ، هي سر من أسرار هذا الكون حين يمتزج القلب بالعقل ، والنضج بالبراءة ، والسكون بالحياة ..
هي النبوغ في أسمى معانيه ، إن سبحت في أعماق روحها وجدت الطهر والإيمان الذي لا ينازعه شك ، وإن وزنت عقلها فلن تجد من موازين الدنيا ما يقدر رجاحته واستقامة فكره ..
أخلاقها السمو .. وديدنها السماحة .. أوتيت من القول فصاحة ،، ومن العلم نور ،، ومن الحكمة هيبة وجلالا ..
خفيفة الظل .. طفولية الطباع .. فهي فضولية لا تكاد تفتر تساؤلاتها .. ولحوحة إلى أبعد حد ! ما أسرع أن تضجر وتسأم ! وما أرقها حين يفرحها أمر أو تسعدها مفاجأة ! يكفي أن تدقق في لمعان عينيها لترى صفاء الطفولة وعبثها بلون بساتين الربيع ..
هي كتاب لا أمل تصفحه .. ناصعة صفحاته .. متجددة فصوله .. تسعدني بصحبتها في السراء والضراء .. وأحن لرفقتها مهما باعدتنا الأيام .. عشت معها لحظاتا خالدة في ذهني .. وكابدنا معا مشقة الحياة ومصاعبها ..
لقد فتحت عيناي على عوالم جديدة .. وأكسبتني من براءتها ما مكنني من استنشاق عبير الحياة وشذى الأيام ..
لقد أصبح بيننا رباط روحي يجعل كلا منا يسمع مناجاة قلب الآخر دون أن يتكلم ..
لقد أحببتها في الله .. وسأظل أحبها إلى أن تفارقنا المنية ..

الأمريكي الذي أذهلني!



لم أكن أظن أن لرقي الأخلاق هذا السحر وهذا التأثير .. إلى أن
صادفت ذلك الرجل الأمريكي ! كان ذلك في العام الماضي حين جلست في مقعد الطائرة التي تقلني إلى القاهرة ، وما هي إلا لحظات حتى فوجئت بجلوس ذلك الأمريكي في المقعد المجاور لي، سرى في نفسي حينها شعور بالانقباض والضيق وكل ما تمنيته هو أن تمر رحلة الثلاث ساعات تلك في أسرع وقت ؛ حتى أتخلص من هذه "التكتيفة" .
وما أن هممت بالبحث عن حزام المقعد لربطه حتى قام الأمريكي من مقعده وناولني شريط الحزام بنفسه ، كان يجلس بهدوء وتحفظ تام طوال الرحلة ، وكان إذا ما أراد أن يشاهد منظر الغروب من النافذة الواقعة بجواري انتظر حتى أتطلع إليها فإذا ما عدت بنظري إلى الامام أشاح بوجهه من اتجاه النافذة ، وإذا ما حضرت المضيفات لتقديم الطعام والمشروبات كان يطلب منهن في كل مرة أخذ طلبي أولاً .. بل وطلب إذني قبل ان يأخذ صينية طعامي لتسليمها إلى المضيفة !
بدا لي حينها كأحد أبطال الأفلام الكلاسيكية التي أحبها .. إن دماثةً ولباقةً كهذه أزعم انني لم ألقى مثلها في حياتي القصيرة وتجاربي القليلة نوعاً ما ، إن معاملة كهذه لم أتلقاها من أبناء بلدي وعروبتي الذين قد يصادف مجاورتهم لي في وسائل المواصلات أو في مبنىً حكومي ، إن هذا الأمريكي لم يستحوذ على إعجابي لوسامته -فأنا لم أكن لأسمح لنفسي بالنظر لوجهه قط- ولا لقامته الطويلة أو لهجته الأمريكية ؛ إنما تأثرت بأخلاقه التي ما بعث نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلا ليتممها ، إن أخلاقاً كهذه نحتاجها مهما أوتينا من الصلابة من حين لآخر حتى لا ننسى بشريتنا ، نحن أحوج ما يكون لها لندعو بها العالم إلى ديننا أكثر من حاجتنا للوعظ المباشر .
وفي نهاية الرحلة حين حان موعد الهبوط ما كان مني سوى أن أهديته حبتين من "باكو اللبان" الذي عثرت عليه في حقيبتي ، ليس لتحفيز قناة أوستاكيوس في بلعومه لمعادلة ضغطه بضغط الهواء الجوي فحسب ؛ بل تعبيراً عن امتنناني لرقي أخلاقه وحسن جواره .
ومنذ ذلك الحين وانا أحمل معي "باكو لبان" في كل مرة أركب فيها الطائرة .. من يدري من سأجاور في الرحلة القادمة ؟!

الأحد، 18 سبتمبر 2011

وجعلنا نومكم سباتا

لا شيء مما قد نشتهيه في هذه الحياة قد يعدل الظفر بست ساعات متواصلة من نوم ليلي هادئ ..تستيقظ بعدها وأنت في أوج نشاطك ..لتستقبل يومك الجديد بروح جديدة .. ونشوة سعادة تبعث القشعريرة في أوصالك ..لتبدأ بعدها رحلة العمل والدأب ..تأخذ نفسا عميقا .. وتحمد الله على أن أعاد لك الحياة .. ورد إليك روحك .. وأذن لك بذكره ..فلا صداع يقتلك من الألم .. أو دوار يعكر صفو مزاجك ذاك اليوم ..
ولكن للأسف .. فإن الحصول هذا النوم الهانئ ليس بالأمر اليسير !
فهو ليس سلعة تباع في المتاجر .. أو فضيلة نتعلمها في المدارس ..بل هو حالة فريدة بين عالم الروح والجسد تحتاج إلى متطلبات خاصة ..
تحتاج إلى ضبط لساعتك البيولوجية .. ذلك المقياس الذي قد يجعلك تغفو في محاضرة مهمة ..وفي الوقت ذاته قد يجعلك تقاسي الأمرين من الأرق طوال ليلة كاملة تقضيها متقلبا على سريرك !عليك أن تخلق نظاما محكما تحيا به يومك لتغط في سبات عميق بمجرد أن تضع رأسك على وسادتك !
يتطلب الأمر نفسا خالية من الهموم .. تنفض عنها كل مجريات وأحداث اليوم حين تخلد إلى السرير ..يتطلب شعورا بالرضا والسكينة وتسليما لقضاء الله ..واستوداعه - عز وجل - روحك وقلبك ..عليك أن تتخلى عن كل ما قد يحمله السهر طوال الليل من مغريات ..فساعة واحد من النوم في المساء أفضل بعشرات المرات من عشر ساعات من النوم بعد طلوع الشمس .." وجعلنا نومكم سباتا * وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا "ولا تنس أنه يتوجب عليك ألا تثقل كاهل أعصابك بوابل الالكترونات التي تعرض نفسك لها قبل النوم ..من شاشات التلفاز والحاسب الآلي والجوال !عليك ان تكون صحيح الجسد .. معافى النفس ..فضلا عن السرير الدافئ الوثير الذي يحميك من برد قارس .. أو رياح عاتية ..

ولكن أنى لنا بكل هذه المتطلبات في كل يوم من أيام حياتنا !!؟؟حتى النوم يتطلب منا جهدا حتى نهنأ به !

أعانك الله أيها الإنسان على كبد دنياك ..ولتعمل من أجل نومة ستنامها في آخر حياتك .. صبحها ليس يوم آخر فحسب ..بل صبحها هو اليوم الآخر ..
!تلك النومة التي تستحق أن تتخلي من أجلها عن أي شيء ..حتى ولو كان ذاك الشئء هو النوم ذاته ! 
نوماً هنيئا ،،،

على أعتاب الامتحانات



ما أن تبدأ العطلة المخصصة لمعسكر الامتحانات حتى يبدو كل شيء ما عدا المذاكرة جميلاً وبراقاً ! فأجد نفسي أغبط المجتمعين في السهرات العائلية ويبدو لضحكاتهم جرساً عذباً في أذني يشعرني بأن السعادة ليس لها وجود سوى بينهم ، وأغبط كل من يقف في "بلكونة" منزلة يتأمل الغادين والرائحين ، وأغبط كل من يشاهد التلفاز ويتنقل من محطة إلى أخرى بلا غاية أو هدف ؛ حيث تبدو في عيني حينها كل البرامج مسلية وكل الأفلام تستحق المشاهدة .. ويبدو "الفيس بوك" كما لو أنه الجنة في الأرض ، حيث تتوطد علاقتي بصديقاتي من خلاله أثناء الامتحانات أكثر من أي وقت آخر ، وتحلو المكالمات الهاتفية المطولة حول كل شيء وأي شيء .. وأختلق الأعذار لتناول وجبة خفيفة أو لتمشيط شعري أو لدخول الحمام ، أو فعل أي شيء يبعدني عن "أتموسفير" الامتحانات !

ولا تحلو الأفراح والمناسبات السعيدة سوى في موسم الامتحانات ، وحتى وإن تمكنت من حضورها فأجد نفسي حاضرة بجسدي فحسب أما ذهني وفكري ففي عدد "الشباتر" التي يتوجب علي إنهاؤها ، و في عدد الأيام المتبقية على الامتحان ، وكم تحلو الصلاة وقراءة القرآن ومناجاة الله عزوجل في جوف الليل بكل خضوع وتذلل طلباً للعون والتوفيق ، وما أجملها تلك السعادة الغامرة التي تنتابني إذا ما خرجت من لجنة الامتحان وقد أحسنت الإجابة بتوفيق الله تعالى الذي لولاه لما كان ممكناً للأسباب التي بذلتها أن تؤتي ثمارها ، لنحتفل بعدها بتناول الغداء في "كوك دور" وزيارة سينما "سيتي ستارز" ..

وما بين أرق الليالي وغفوات العصاري ، وما بين الخوف والرجاء ، تنقضي أيام الامتحانات وأشعر بعدها بأن شغفي بكل شيء قد تلاشى وأن كل ما أطلبه حينها هو نوم هادئ أو استرخاء أمام منظر طبيعي ينسيني عناء تلك الأيام ..

وما هي إلا سويعات حتى تظهر في الأفق امتحانات أخرى ليست كامتحانات الجامعة ، امتحانات في علاقة المرء بربه ووبنفسه وبالآخرين ، امتحانات تحتاج إلى إعداد ومذاكرة من نوع خاص ، وقد تعصف بثبات الواحد منا ما لم يكن مستعيناً بالله، مطمئناً بذكره ، تلك هي طبيعة الدنيا .. ما هي إلا امتحان كبير !

اللهم إني أسألك خير الدعاء وخير النجاح وخير العلم وخير العمل وخير الحياة وخير الممات .. 

برد الحواس


ليس من اليسير دائما أن نتغلب على برد الشتاء القارس ..
ففي بعض الأحيان تتملكنا البرودة بصورة تعجز معها كل الملابس الثقيلة بأصوافها وأوبارها وأشعارها عن إمداد أجسادنا الشاحبة بالدفء اللازم !
في بعض الأحيان تفقد المدفأة أثرها وتصبح مجرد قطعة أثرية في المنزل لا تتجاوز حرارتها الهواء الملاصق لها !
في بعض الأحيان يصبح احتساء المشروبات الساخنة تقليدا شتويا نتشبث به لعله يعيد الحياة إلى أطرافنا المتجمدة !
تلك الأحيان تفوق الطاقة المادية لأجسادنا على إمدادنا بالدفء ..
تلك الاحيان يجتاحها " برودة حسية " !
تلك البرودة التي قد لا تزول إلا بابتسامة أم حانية .. أو ببتوجيه أب عطوف .. أو بشغب إخوة ضاحكين ..
هذه الأمور برغم بساطتها إلا أن لها مفعول السحر أمام برودة الشتاء ..
هي وحدها المعطف الذي يجعلنا نصمد أمام أقصى درجات الصقيع ..
لأن الدفء حينها لن ينبع من أجسادنا فحسب .. إنما من ذواتنا الساكنة ونفوسنا المطمئنة .

ولادة فرح !




لم أكن أظن أنني سأكون بهذا التماسك في المرة الأولى التي أشهد فيها عملية ولادة قيصرية ، في بادئ الأمر حين وافق الطبيب المسؤول على حضوري العملية شعرت بركبتي ترتجف وبدأ قلبي بالخفقان بسرعة لا متناهية ، وبدأت أتخيل كيف سيكون مظهري إذا ما أصبت بإغماءة داخل غرفة العمليات .. فأخرج حينها على نقالة وسط استهزاء الأطباء والممرضات من "شجيعة السيما اللي في رابعة طب" !

إلا أنني بمجرد أن توكلت على الله ودخلت مسرح الأحداث حتى انبهرت بالحركة الدائبة لطاقم العمل كما لو أنهم في خلية نحل ، فطبيب التخدير يراقب مؤشرات الأم الحيوية بعناية، والممرضات يحضرن أدوات الجراحة والركن الخاص بتجهيز المولود.

وما أن حانت ساعة البدأ حتى أخذ الطبيب في شق بطن الأم طبقة تلو الأخرى بمهارة فائقة ، وإذا بي تعلو وجهي ابتسامة ظلت ترافقني حتى نهاية العملية .. فأخيراً وبعد طول انتظار بدأت أرى بأم عيني ما تعلمته في الكتب عن طبقات البطن وكيف هو الجسم من الداخل وكيف يبدو الرحم ! وما أن اخترق المشرط جدار الرحم حتى اندفع "السائل الأمنيوسي" بكثافة وظهرت رأس الطفلة "فرح" ليتم إخراجها بعد ذلك ، وتبدأ بعدها سلسلة من الخطوات المتتابعة لإعدادها لبدأ رحلة الحياة .. ابتداءً من قص الحبل السري وتنظيفها من السوائل التي تغلفها ، مروراً بالضرب بخفة على ظهرها لمساعدتها على السعال وشفط السوائل العالقة بمجراها التنفسي ، وإذا بها تبدأ في البكاء بكل ما أوتيت من قوة واهنة ، لتعلن للوجود بأكمله عن وصولها بأكثر صوت قريب إلى العمق البشري .. صوت البكاء !

وصرت في حيرة من أمري بين مراقبة الطبيب وهو يضع اللمسات الأخيرة على جرح الأم الذي يقوم بتقطيبه وما بين تأمل عملية تجهيز العروس "فرح" .. التي ما إن ارتدت ملابسها الجديدة حتى حملتها وخرجت بها من غرفة العمليات إلى عالمها الجديد ، وبالصورة التي تجمع ما بين بكائها وابتسامتي انتهت تلك اللحظات التي ستظل خالدة في ذهني إلى الأبد !

نافذتي



نافذتي .. يا نافذتي .. اصدقيني القول .. من هي أسعد مخلوقة في الوجود ؟!
أشعر بوجود رابط ما يجعلني أهوى النظر من خلال النوافذ ..
من خلالها أجد متسعا لأتأمل وأشرد بذهني دون قيود .. النوافذ تهبني بعداً جديداً للعالم من حولي .. بعداً أطل من خلاله على سرب من الطيور المحلقة في السماء ..مجموعة الأشجار التي تداعبها نسمات الهواء .. قطرات المطر في إحدى ليالي الشتاء الباردة ..
عبر النوافذ يمكنني تأمل هيئات البشر وتفاعلاتهم مع بعضهم البعض ومع الكون من حولهم ..
لطالما تمنيت أن أحظى بمنزل تطل نوافذه على البحر .. أشعر حينها بأنني أمام تلك النوافذ سأتنفس بصورة مختلفة .. إن مشهد أمواج البحر المتجددة يأسر الروح ويمكن المرء من استنشاق جمال الحياة والتسبيح لإبداع الخالق ..
وكم أحب النظر عبر نوافذ المواصلات .. شريط صورها التي تضج بالحركة والحياة تبدو في نظري أجمل من مئة تلفاز يؤذيني بإشعاعه ويرهق أعصابي بإلكتروناته ..
النوافذ تدخل النور إلى عالمي .. وتجعلني أتذكر دائماً أنه مهما طال ظلام الليل لابد أن يحل محله نور الصباح ..

آه يا رجلي !


لم يتوجب علي تحمل ذاك الألم الفظيع في كل مرة ارتدي فيها حذاءً جديداً ، فأجد أصبع قدمي الأصغر قد أصابه الاحمرار والتورم مع ظهور فقاعات مائية عجيبة تزيد من يشاعة الأمر ! وعلي أن احتمل هذه المعاناة إلى أن يتسع الحذاء تدريجيا مع مرور الوقت بعوامل التمدد، فضلاً عن آلام الظهر ومفصل القدم إذا ما كان الحذاء ذو كعبٍ عالٍ ..
فليحترق الحذاء الجديد وكعبه العالي ! مالها يعني الجزمة الطبية وللا الكوتشي ؟ هيقولوا لأ ؟!